بقلم/ فايزة ربيع..
وما أكثر لحظات الضعف التي نمر بها!؛
فسرعان ما ينهدم هذا الكيان ليصبح مشتتاً وتائهاً باحثاً عن ذاته التي فقدها.. هكذا نصبح عندما يتملكنا اليأس، أو نتعرض لإنكسارات تفقدنا أعز ما نملك في الحياة، فيغلب شعورنا بالإحتياج لهذا المفقود، على الإحساس بكل ما هو موجود،
وبذلك نترك الأحزان تتمكن منّا ويسكن الفراغ قلوبنا وعقولنا، وحينها فقط نستطيع أن نرى وكأن الكون يَنْفَضُ من حولنا، فتتخلى عنا حتى أنفسنا لتسقط من علوها وسموها إلى المنحدر الذي أودى بها إلى غيابات الدنيا، فتلك نفساً توجت فطرتها بالنقاء والترفع عن كل ما هو دنيوي زائل، فكانت كل ما تملكه روحاً هائمة في الجنة حالمةً بها في صحوها ومنامها ولا تدري شيئاً عن هذا الواقع المتدني بكل ما فيه، وبالرغم من قوة الإيمان والثبات التي كانت تتحلى بهما إلا
أنه كان لابد من سقطات وإبتلاءات لإختبار هذا الإيمان والثبات، وكانت البداية الحقيقية لهذا الإبتلاء هو الإستسلام لصدمة أو قهر تسبب لها في حزن عميق والذي بدوره تخلل إلى نفسها وقد قسمها نصفين ليحدث الخلل وتنقلب الموازين، ففي النهاية نحن بشر “وخلقنا من ضعف”،!
فإختلفا نصفيها، نصف استسلم لهذا الحزن والفقد حتى ضعفت قواها وسُلبت إرادتها، ونصف يأبى أن يستسلم لهذا الحزن ولكنه أيضاً لا يستطيع أن يتعايش مع هذا الضعف وهذا يرجع لطبيعة حال النفس البشرية والتي يستحوذ عليها الجزء الدنيوي من أجل البقاء، ولكي يحتفظ بهذا البقاء عليه أن يقضى تماماً على مواطن الضعف وهي الإحساس، ومنابع الإيمان وكذلك هي الفطرة،
لذلك تحول هذا النصف لعدواً متحفزاً لتحطيم كل ما هو جميل ونقي بداخلها ليبدلها بكيان آخر لشخص آخر لا تعرفه، إعتقاداً منه بأن هذه قوة وتغلب على أي شعور مأساوي، أو هروب من الوحده ومعاناة آلام التجارب المريرة، فهل من الممكن حدوث ذلك؟! حدوث أن تنقلب عليك نفسك فتدمر أجمل ما فيك بدافع القوة والحصول على السعادة وإن كانت سعادة واهمة ومؤقتة؟!
و كأن هذا يتمثل في الآية الكريمة ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
بمعنى؛ أننا عندما نسمح للنصف التقي بداخلنا بأن يغفو ويضعف، فنحن بذلك سوف نترك العنان للنصف الآخر لأن يتوحش ليصبح قدر هذا الكيان هو الفجور والسقوط في الفخ الشيطاني، وبذلك يكون هدف ذلك النصف الذي تمرد هو إنجاز مهمته بأسرع وقت ممكن، وقبل أن يفيق منها النصف الآخر من غفلته والذي يتمثل في القلب والضمير والفطرة الطيبة التي عهدتها في نفسها وروحها، وسرعان ما وجدت هذا الذي سكنها يحاول جاهداً لهدم المبادئ واللهو بالقيم والأخلاق ولا يلقي بالاً لإحساسها أو لكرامتها ”وبالفعل” فقد كان بارعاً في إذلالها بتصرفات تستنكرها فطرتها، والغريب أنها بالرغم من هذا الإستنكار هي مستمرة ولا تستطيع إيقاف نفسها فهي تمضى ولا تدري إلى أين هي ذاهبة، بل ويصل الأمر بهذا العدو الذي تمكن منها لأبعد من ذلك وهو أن يفسد ما بينها وبين الله، ليأخذها إلى طريق اللاعودة!،
ولكن هيهات لهذا الشيطان أن يهدم هذا الميثاق بل بالعكس، فقد كان هذا الطريق الذي أراد أن يأخذها إليه هو بمثابة ناقوس الخطر والذي جعلها تفيق من غفلتها،
فكان هذا هو الإختبار الحقيقي لتقييم مدى إرتباطها وتعلقها بخالقها والتحقق من صدق نواياها معه عندما عاهدته على التقوى والمحبة والصبر والرضا التام، وأيضاً عندما قصدت الجنة هدفاً وجزاءاً ودار مستقر يحسّن فيها المقام،
وهذا هو الفيصل، ونقطة التحول التي ستعيدها سالمةً لنفسها المفقودة و إنهاء الصراع الداخلي بين نفسها المنشقة والمنفصمة عن ذاتها،
فكان لابد من صحوة لجمع الشتات بإستخدام الإرادة التي وضعها الله فينا بني البشر، فهل إستطاعت أن توقظ نفسها من هذه الغفلة والسبات العميق؟!
نعم فنحن فقط من نستطيع أن نغير ما حولنا من ظروف ونتحدى الصعوبات والآلام، وذلك بتغير ما في أنفسنا وأيضاً، (حفاظاً على أنفسنا) من السقوط في الهاوية بقصد البحث عن سعادةً ما! وليتها سعادة صادقة وحقيقية بل هي سعادة واهمة وزائفة ومؤقتة،
وبتلك المواجهة والمجاهدة تكون العودة إلى النفس السوية، وهكذا يكون الوفاء “بالعهد” وتجديد النية “والوعد”؛ بأن يكون الصدق مع الله هو السبيل ليصدقها الله في الأجر والمعية، وتلك هي الثقة فيه سبحانه أنه سيعفو ويفرح بعودة وإنابة الغافلين “فالله يحب العائدين”
ولثبات الصادقين؛ لابد من هدف أسمى، وليس هناك ما هو أسمى ولا أغلى من أن يكون حلم العمر والهدف المعهود هو:”جنة الفردوس” ليكون معيناً لَّنا على العودة كلما سقطنا أو مالت النفس بين الحين والآخر! وهذا وارد فالإيمان يزيد وينقص، و”كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”
فلا داعي ليأس من أنفسنا نجعله بأيدينا مدخل شيطاني، فيكاد ينسينا أننا بشر ولسنا ملائكة!،
فنحن وإن تعثرنا! فإنا لله عائدون ولجنته وجواره راغبون، ولن يكون نصيبنا من رحمته أبداً هو اليأس أو الخوف!،
فسبحان مَن خلقنا وَهُو يعلم ما بِنَا “فأحسن الوصف”
حينما سبقتنا إرادته فَعالقائل: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف﴾•